كلمة الحزب الشيوعي اللبناني في اجتماع الأحزاب الشيوعية والعمالية العالمي
إزمير– تركيا في 18-20 تشرين الثاني 2019
حضرةالأمين العام للحزب الشيوعي التركي والأمناء العامون وأعضاء قيادة الأحزاب الشيوعية والعمالية. أيها الرفاق:
نحيي في البداية الذكرى المئوية لتأسيس الأممية الشيوعية، ونضالات ملايين الشيوعيين الذين استشهدوا واعتقلوا وعذبوا وقمعوا في نضالهم ضد الرأسمالية والاستغلال الطبقي وضد الاستعمار والامبريالية وحروبها على شعوب العالم، وضد الفاشية والنازية والصهيونية في مختلف بلدان العالم.
على الرغم من النكسة الكبيرة التي أصابت الحركة الشيوعية في العالم إثر انهيار المنظومة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفياتي، والنشوة التي عاشتها الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية معتقدةً أنّها قد هزمت خصمها الطبقي إلى الأبد، وأنّها قد كتبت نهاية التاريخ بانتصار المستغِلين على المستغَلين، والرأسمالية على الاشتراكية، على الرغم من هذه النكسات، لم نيأس ولم نستسلم لا فكرياً ولا سياسياً.
ورغم الصعوبات، استمرت الأحزاب الشيوعية والاشتراكية في نضالها السياسي لأنّها أصرّت أنّ لا طريق أمام البشرية سوى الاشتراكية أو الهمجية، واستشرفت الأزمات القادمة للرأسمالية رغم انتصارها الموضعي، وحتمية الصراع ضدها من أجل التحرر الوطني ومن أجل الاشتراكية والخلاص من نظام الاستغلال. وخلال ثلاثة عقود، أثبتت الأحداث صحة رؤيتنا المشتركة حول ضرورة استمرار المواجهة، وحول إمكانية هزيمة الرأسمالية، وحول أنّ التاريخ لم ينته معلناً فوز الرأسمالية التي ما لبثت أن عانت أزمات شديدة كان أقواها في العام 2008، وهي أعمق أزمة رأسمالية منذ الكساد العظيم عام 1929، وما زلنا نعيش ارتداداتها حتى اليوم.
كذلك تواجه المنظومة الامبريالية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، ومعها حلفاء تابعون في الاتحاد الأوروبي واليابان ودول الناتو، تحديات جديّة مع الصعود السريع لأقطاب دولية أخرى منافسة وذات مصالح متناقضة مع الدول الامبريالية المهيمنة رغم أنّ معظمها ليست أقطاب اشتراكية. هذا الصعود الذي يتمثل بشكل رئيسي في قوتين دوليتين هما الصين بقيادة الحزب الشيوعي الصيني، وإمكاناتها الاقتصادية الجبارة، وروسيا التي تستعيد اليوم قوتها العسكرية والسياسية إضافة إلى قوى إقليمية في آسيا وأميركا اللاتينية وأفريقيا بدأ يشكل تحدياً فعلياً لمنظومة الهيمنة الأحادية القطبية التي تكرست منذ ثلاثة عقود، وزاد بالتالي من عمق أزمة دول المركز الرأسمالي التي لم تعد قادرة على تطويع العالم، بكل دوله وشعوبه كما كانت تفعل من قبل، لحلّ أزماتها. وعلى الرغم من أنّ الصراع بين هذه الأقطاب لا يأخذ شكل الصراع بين الرأسمالية والاشتراكية، إلّا أنّه يساهم جدياً في تعميق أزمة نظام الاستغلال الطبقي المعولم، ويتيح للشعوب المستغلة فرصاً أكبر في المواجهة من أجل التحرر والانعتاق، ويضعف إلى حدّ بعيد الهيمنة الأميركية – الأطلسية.
وكما في الأزمات الرأسمالية السابقة، اتّجهت الإمبريالية نحو تصعيد هجومها على شعوب العالم في داخل دول المركز الرأسمالي كما في الأطراف. إذ شهدت السنوات الأخيرة صعوداً كبيراً لقوى ذات طبيعة فاشية في العديد من الدول الأوروبية، ومعها صعدت ظواهر اليمين الشعبوي في دول أخرى، وتحديداً مع وصول ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية. وعمدت دول الاتحاد الأوروبي إلى الانقضاض على حقوق العمال فيها من خلال خفض التقديمات الاجتماعية وتسريح الموظفين في القطاع العام وبيع الأملاك العامة، وإمساك سياساتها النقدية والمالية من قبل المصرف المركزي الأوروبي وضخ الأموال لإنقاذ المؤسسات المالية الكبرى، على حساب حقوق العمال والفئات المستغلّة. ودفعت شعوب أوروبا ثمن سياساتالاتحاد الأوروبي الذي يمثّل مصالح رأس المال الأوروبي الطامح إلى تعميق سيطرته داخل حدود قارته، وأيضاً خارجها.
إن عمق الاستغلال الطبقي في منطقتنا القائم على نهب ثرواتها، وتحديداً النفطية منها، من قوى رأس المال العالمي، كما من رأس المال المحلي، الذي يمسك السلطة السياسية من خلال أنظمة ريعية ورجعية وتابعة واستبدادية، قد أدّى إلى حدوث انفجار اجتماعي في مختلف دولها. فمن السودان والجزائر وصولاً إلى مصر والعراق والأردن وبلدنا لبنان الذي يدخل مرحلة انهيار اقتصادي ونقدي عميق نتيجة السياسات الريعية السائدة منذ عقود، في كل هذه الدول وغيرها، تنتفض الشعوب العربية المستغلة اليوم، بشكل عفوي وغير منظم في معظم الأحيان، لتعبر عن معاناتها من تداعيات الإفقار والبطالة والمذلة القائمة. إنّ هذا الواقع مرشح للتنامي في ظل انفجار التناقضات الاجتماعية وغياب أي حلول عند الطبقات الحاكمة على اختلاف مكوناتها، وهو ما يعني ضرورة استعداد الأحزاب الشيوعية والعمالية إلى صياغة برامج للمواجهة وللتغيير من أجل تغيير موازين القوى القائمة وطرح نفسها كبديل ثوري للنظم السائدة.
أما على الصعيد الدولي، فصعّدت الدول الامبريالية من هجومها على منطقتنا، بهدف إمساك منابع النفط وطرق الإمداد والأنابيب وقطع الطريق على القوى الدولية المنافسة. في هذا السياق سارعت الولايات المتحدة إلى الالتفاف على انتفاضات الشعوب الطامحة إلى العدالة والمساواة والتحرر، من خلال دعم التيارات الدينية السلفية والإخوانية والجيوش الحليفة لإمساك السلطة كما حصل سابقاً ويحصل اليوم، ودعمت الجماعات الإجرامية مثل داعش والنصرة وغيرها لتأجيج الانقسامات المذهبية والدفع بمشاريع التقسيم والتفتيت والتجزئة كما حصل ويحصل في ليبيا وسوريا. وفي الإطار نفسه، أطلقت يد السعودية في حربها على الشعب اليمني. وها هي تركيا تشنّ عدوانها على الأراضي السورية بهدف توسيع نطاق سيطرتها الجغرافية وقضم الأراضي وتصفية التنظيمات الكردية، وقد سجّل حزبنا موقفاً رافضاً لهذا العدوان، داعماً وحدة سوريا أرضاً وشعباً، وداعماً حق الشعب الكردي في تحقيق مطالبه ضمن إطار الوحدة السورية، في المساواة السياسية والاقتصادية والثقافية، كما أدنّا رهان القيادة الكردية على الامبريالية وتحديداً الولايات المتحدة التي سارعت إلى التضحية بهم عند الاستحقاق الجدي لمصلحة تفاهمها مع تركيا.
كما ارتكزت الاستراتيجية الامبريالية على الدعم اللامتناهي للكيان الصهيوني على حساب الشعب الفلسطيني وكل شعوب المنطقة لتثبيت تفوقه العسكري كوكيل لها على امتداد منطقة الشرق الأوسط، وهي تسعى اليوم بكل ثقلها لتصفية القضية الفلسطينية عبر سلسلة من القرارات والإجراءات ومنها قرار يهودية الدولة وضم القدس والجولان والتحضير لضم الضفة الغربية لسيادتها والدعم الأميركي المطلق لذلك، فضلاً عن السعي الحثيث لتصفية حق العودة وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في بلاد الشتات.
وتمتد هذه الهجمة على أوروبا الشرقية وأوكرانيا كما إلى أميركا اللاتينية التي بدأت تعود إلى عصر الفاشيات التابعة ناهيك عن عسكرة المحيط الهادئ ونقل الأساطيل الأميركية إلى هناك من أجل محاصرة الصين. ولم تكتفِ الولايات المتحدة بهذا الهجوم الواسع ضد شعوب العالم، إذ لجأت معه إلى سياسات العقوبات والرسوم الجمركية وتوابعها، فبدأت بفرضها بشكل واسع ضد روسيا والصين وإيران وسوريا وفنزويلا وكوبا، وتراجعت عن الاتفاق النووي، وبدأت بعقوبات جديدة تطال النظام المصرفي اللبناني بهدف خنق المقاومة اللبنانية والتضييق عليها.
ايها الرفاق،
ان الحركة الشيوعية العالمية يجب أن تقدم نفسها، الآن وهنا، كقوة سياسية وفكرية بديلة في مواجهة الرأسمالية كما في مواجهة اليمين والتطرف الديني والرجعيات وأنظمة الاستبداد التي هرعتلترث الفراغات التي تركها فشل مشروع الرأسمالية النيوليبرالية، مستندين إلى نظريتنا الماركسية اللينينية.
نحن في الحزب الشيوعي اللبناني نتابع عن كثب وباهتمام كبير المسارات المختلفة نحو الاشتراكية في العديد من البلدان. ان هذه المسارات بكل إنجازاتها الكبيرة، بالإضافة إلى المخاطر الكامنة، تمثل اختلافات داخل الوحدة، وهي وحدة هدف تحقيق الاشتراكية التي ستحل محل الرأسمالية وتنهي قروناً من القهر والاستغلال الطبقي.ان هذه الوحدة في الهدف يجب أن تعكس نفسها على مستوى علاقات مفتوحة وأخوية بين الأحزاب الشيوعية والعمالية في العالم. ويجب ان يتم تعزيز هذا اللقاء للأحزاب الشيوعية والعمالية من خلال جعله أكثر مرونة وأكثر فعالية، وإضفاء الطابع المؤسسي عليه.
ونحن في الحزب الشيوعي اللبناني نعدكم اننا سنكرس كل ما يمكن أن نكرسه من أجل تحقيق هذه المهمة الحاسمة، عبر صياغة برنامجنا المحلي والإقليمي المستند إلى مواجهة الرأسمالية والامبريالية والحركة الصهيونية عبر مقاومة شاملة بكافة الوسائل المتاحة، وإلى مواجهة الأنظمة الرجعية والاستبداديةوالمذهبية،ساعين إلى تجميع القوى اليسارية والشيوعية العربية، لطرح بديل وطني علماني مقاوم على طريق الاشتراكية.
عاشت الأحزاب الشيوعية والعمالية، عاشت الاشتراكية
عمر الديب، مسؤول العلاقات الخارجية في المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني