http://www.syrcomparty.org , mailto:scp@scs-net.org أيها الرفاق الأعزاء ممثلو الأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية! باسم الحزب الشيوعي السوري (الموحد) نعبر عن تقديرنا للحزب الشيوعي اليوناني لاستضافته هذا الاجتماع، وللدور المتزايد الأهمية الذي يلعبه هذا الحزب في تنسيق ودعم الأنشطة الجماعية لأحزابنا، كما لدوره المتميز في قيادة النشاطات العمالية والمطلبية للشعب اليوناني الصديق، ولتضامنه الدائم والواضح مع قضايا شعوبنا العربية وحركات التحرر الوطني في البلدان النامية. ونحن على أبواب مرور عشرين سنة على انهيار المعسكر الاشتراكي، نتذكر تلك الأيام السود التي رافقت هذا الانهيار ومشاعر الإحباط والألم التي أصابت شعوب البلدان الضعيفة، وجعلها تشعر وكأنها ستدخل في نفق مظلم وطويل. وحدهم الشيوعيون المتسلحون تسليحاً جيداً بالفكر الاشتراكي العلمي، فكر ماركس وإنجلز ولينين، هم من لم يتسلل اليأس إلى نفوسهم ولم يلقوا بسلاحهم، لقناعتهم بأن هذا الانهيار وهذه الكارثة الإنسانية الكبيرة التي أصابت العالم، ليست نهاية التاريخ، وأن الذي انهار هو تجربة اشتراكية ولم تنهر الاشتراكية كمبدأ. وأن الشعوب ستواصل نضالها ضد النظام الرأسمالي مادام التناقض الرئيسي كان ولا يزال هو التناقض بين العمل والرأسمال، وما دام شيء اسمه استغلال الإنسان للإنسان موجوداً في حياة الشعوب.
ولم يمر على هذا الانهيار سوى سنوات قليلة حتى بدأ انهيار من نوع آخر، هو انهيار الأوهام التي روَّجت لها مكنة الدعاية الإمبريالية حول عالم بقطب واحد، وعالم بلا إيديولوجيا، وبعالم تٌطبق عليه وحشية الإمبريالية إطباقاً تاماً. وأصبحنا اليوم أمام عالم متغير يتصف بمايلي 1- انهيار القيادة الأحادية للإمبريالية الأمريكية للعالم. 2- أزمات اقتصادية ومالية عنيفة تعصف بالنظام الرأسمالي في كل من الولايات المتحدة وأوربا، وهي أزمات مركّبة وبنيوية ومتسلسلة، نتيجة للعولمة الإمبريالية، واشتداد حدة الصراع الطبقي في أوربا الذي يمثل نضال الشغيلة اليونانيين مثالاً صارخاً له. 3- بروز دول قطبية عظمى أو هامة، مثل روسيا والصين، ودول معاهدة شنغهاي، ومجموعة أمريكا اللاتينية. 4- تنامي نضالات حركات التحرر الوطني في البلدان النامية، خاصة في آسيا وأمريكا اللاتينية ضد النهب الإمبريالي لها. إن كل هذا التحول في المشهد العالمي لم يتم بصورة عفوية، بل بفعل النضال المنظم للطبقات المسحوقة بقيادة أحزابها وقواها السياسية، الذي ساعد عليه انكشاف حالة التأزم في بنية النظام الرأسمالي نفسه الذي يفقد القدرة تدريجياً على التكيُّف مع أزماته، وعلى إيجاد الحلول لها من ضمن آلياته وقوانينه. إن هذا الواقع يفرض على أحزابنا العمل على استنهاض قوانا الذاتية من أجل الاستفادة من العامل الموضوعي المتمثل بأزمة الرأسمالية، والذي يتيح لنا فرصاً أنسب للتقدم في نضالنا. وهذا يتطلب منا تقوية العمل الأيديولوجي في صفوف أحزابنا، لكي لا تخترقها الأيديولوجيات العدمية التي تضيِّع التفكير الطبقي. وفي الوقت نفسه، ينبغي بذل جهود فكرية واسعة لقراءة الواقع العالمي والمراحل والمعطيات الجديدة استرشاداً بالمنهج الماركسي الجدلي وليس بالنصوص الجامدة. كما علينا توسيع دائرة علاقاتنا وتحالفاتنا مع القوى الاجتماعية المتضررة من الرأسمالية، بصرف النظر عن منابعها الفكرية. إن بلدان العالم النامي ينالها النصيب الأكبر من النهب الإمبريالي، وهي الساحة الرئيسية التي يجري فيها وحولها صراع شديد بين الدول الإمبريالية من جهة، وبين الشعوب من جهة أخرى، كما تجري صراعات حادة بين المراكز الإمبريالية نفسها لاقتسام النفوذ وتصدير الأزمات إلى البلدان المتخلفة وتعد منطقة الشرق الأوسط مثالاً نموذجياً لذلك، وهو نقطة تفجر خطرة جداً بسبب ثرواتها النفطية وممراتها وموقعها الاستراتيجي الخطير. وقد استعملت الإمبريالية الأمريكية كل الوسائل للمحافظة على موقعها فيه، وبضمنها العودة إلى أساليب الاستعمار العسكري المباشر أي الكولونيالي، كما حدث في العراق وقبله في أفغانستان. والعودة إلى هذا الأسلوب يمثل نقطة هامة، يجب أن تضعها القوى الثورية في حساباتها وتصيغ استراتيجياتها على ضوئها. والسمة الأخرى للوجود الإمبريالي في منطقتنا هو التحالف بين الإمبريالية العالمية وبين الصهيونية المتمثلة بدولة إسرائيل المزروعة في المنطقة لحراسة مصالح الدول الغربية. لذلك فإن النضال العربي ضدها هو جزء لا يتجزأ من النضال الأممي للقوى الثورية في العالم. ويمتزج النضال الوطني لشعوبنا أيضاً مع نضالاتها من أجل التحرر الاقتصادي والاجتماعي وضد الاندماج والتبعية للاقتصاد الرأسمالي العالمي، وضد هيمنة الفئات البورجوازية العليا التي تشكل امتداداً تابعاً وملتحقاً بالرأسمالية العالمية. لقد أنجزت قيادات حركة التحرر الوطني في العالم الثالث مهمة إنشاء الدول الوطنية المستقلة، ولكنها لم تنجح في إعطائها مضموناً اجتماعياً تقدمياً في صالح الجماهير، ونشأت في قلبها فئات بورجوازية طفيلية أخذت في التحول إلى طبقات بورجوازية عليا، الأمر الذي أدى إلى عزل أنظمة هذه الدول عن شعوبها، وخاصة عن القاعدة الاجتماعية العريضة التي انبثقت عنها قيادات هذه الدول. وفي نفس الوقت لم تتمكن قيادات هذه الدول الوطنية من إنشاء نموذج جديد للبناء السياسي للدولة، أي البناء الفوقي لها، فقد لعبت المخلفات العشائرية والطائفية ونموذج الحزب الواحد والاستئثار بالحكم، وسيطرة العسكر دوراً كبيراً في التشكيل السياسي للأنظمة الوطنية، مما أفقد هذه الأنظمة علاقتها بالجماهير وأصبح بعضها فوق الجماهير. وبذلك اختلت المعادلة بين العوامل الوطنية والاجتماعية والديمقراطية، هذه المعادلة لو تم تحقيقها على أرض الواقع لما تفسخ الكثير من الأنظمة الوطنية. لذلك يركز حزبنا على أن الدفاع عن الوطن يجب أن يقترن دوماً بتلبية مصالح الجماهير والطبقات الشعبية، وبتأمين حرياتها الديمقراطية في آن معاً، خاصةً أن مطلب الديمقراطية يتوسع ويزداد مع ثورة الاتصالات العالمية، وبفعل الدروس المستقاة من تجربة انهيار الاتحاد السوفييتي. ومن البديهي أن تستغل الإمبريالية العالمية هذا المطلب لجعل الديمقراطية تسير باتجاه واحد هو خدمة مصالحها. ولكن من واجبنا نحن الشيوعيين أن نعطي المفهوم الصحيح عن ترابط النضالات من أجل الديمقراطية مع الأهداف الوطنية والأهداف الاجتماعية، دون إهمال أي منها. أيها الرفاق الأعزاء! تشهد سورية اليوم أزمة حادة وصفها حزبنا أنها أزمة مركّبة ومعقدة، وتتضافر فيها عوامل داخلية وخارجية واقتصادية واجتماعية. ففي الداخل برز تناقض كبير بين الصيغة السياسية للنظام، أي البناء الفوقي للدولة، الذي لم يعد يتناسب مع احتياجات التطور في سورية، ولم يعد الانفراد بالسلطة مقنعاً للشعب ولا يستجيب لتطلعاته. وعلى الصعيد الخارجي، تواجه سورية تآمراً استعمارياً وقحاً وحلفاً تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوربي وتركيا والرجعية العربية، هدفه إسقاط النظام في سورية لقطع الدعم عن المقاومة الوطنية في كل من فلسطين ولبنان وتمرير مشاريع التصفية للقضية الفلسطينية والسيطرة المطلقة على الوطن العربي. وينفق هذا التحالف الدولي الاستعماري مليارات الدولارات لأغراض الدعاية الإعلامية الكاذبة، وتهريب إمدادات السلاح للمتمردين على الشرعية، ويستغلون الحراك الاجتماعي لتحويله إلى فتن طائفية يرفضها شعبنا السوري ويرفع مقابلها شعار الحوار بين جميع الأطراف، وإيجاد حل سياسي لمشاكل البلاد ووقف العنف.
وعلى الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، أدت سياسات الحكومات السابقة إلى إضعاف البنية الإنتاجية للبلاد لصالح تنشيط القطاعات الفقاعية، تلبية لنصائح صندوق النقد الدولي، وازداد الفساد وتراجعت القدرة الشرائية للجماهير واستفحل الاستقطاب الطبقي. إن تراكم كل هذه العوامل أدى إلى انفجار الوضع الأمني على نحو بشع، استغله الحلف الإمبريالي الرجعي استغلالاً واسعاً لخداع وتضليل الرأي العام في الداخل والخارج. لقد تحولت الأزمة في بلادنا من أزمة داخلية إلى أزمة عربية وإقليمية ودولية إلى حد كبير، وبمقابل هذا الحلف الدولي المعادي ترتسم معالم جبهة دول قوية تعيد رسم التوازن الدولي على أسس جديدة. إن حزبنا في هذا الظرف العصيب، يناضل من أجل حل هذه الأزمة على أساس وقف العنف من أي مصدر كان، وحقن الدماء، وإيجاد الحلول السياسية، والوقوف في وجه المجموعات المسلحة التي تتغذى من الخارج، وسرعة السير في طريق الإصلاحات الديمقراطية، والانتقال بالبلاد إلى مجتمع تعددي ديمقراطي، وصياغة دستور جديد يضمن هذه الإصلاحات، والتخلي عن الحلول الليبرالية لمشاكل الاقتصاد وتحسين الأحوال المعيشية للجماهير وحماية السياسة الوطنية للبلاد، والدعوة إلى حوار وطني شامل يضم جميع الفئات، وبضمنها المعارضة الوطنية التي تعارض التدخل الأجنبي وتحقيق مصالحة تاريخية. أيها الرفاق إن تضامنكم مع سورية في هذا الظرف له أهمية كبيرة، ونتمنى لهذا الاجتماع النجاح التام أثينا 9-11/12/2011 حنين نمر الأمين الأول للحزب الشيوعي السوري (الموحد)