مداخلة الحزب الشيوعي الكوردستاني – العراق
في اللقاء الرابع عشر للاحزاب الشيوعية والعمالية: بيروت – تشرين الثاني 2012
الرفاق الاعزاء
ينعقد اللقاء الرابع عشر لاحزابنا في ظروف عالمية واقليمية معقدة جراء تزايد نزعة الهيمنة التي تقودها الولايات المتحدة الامريكية واشتداد الاستغلال الرأسمالي وتفاقم تناقضاته خاصة بين الطابع الاجتماعي للانتاج والاستحواذ الرأسمالي الفردي، التناقض بين رأس المال والعمل، وزيادة التوترات على الصعيد العالمي.
فالنظام الرأسمالي يولد الازمات الدورية المتكررة ليس فقط على صعيد الدول الرأسمالية الكبرى فحسب وانما ايضا على صعيد العالم وخاصة انعكاسات الازمة الرأسمالية على الشعوب وما نمو البطالة والفقر واتساع دائرة المهمشين على الصعيد العالمي سوى بعض مظاهر هذا التناقض.
الجدير بالذكر هنا ان تجليات ازمة النظام الرأسمالي تتضح في البلدان الفقيرة، حيث يوجد ما يقارب الـ (2) مليار من سكان العالم هم تحت خط الفقر وحوالي ثلثي هؤلاء يعيشون في اسيا، وهناك حوالي 40% من شعوب الشرق الاوسط يعيش افرادها بأقل من دولار ونصف يومياً.. هذا عدا الحروب والصراعات والنزاعات والتوترات والازمات بمختلف اشكالها.
وتمثل منطقة الشرق الاوسط اليوم واحدة من ابرز مناطق التوتر في العالم بفعل انظمة الاستبداد والارهاب والصراعات الاقليمية والدولية وتدخلات القوى الامبريالية.
لكن الوجه الاخر لكل ذلك هو ارادة الشعوب وسعيها لانعتاق من الظلم وتوقها الى الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.. هذا ما تميزت به منطقة الشرق الاوسط خلال العامين المنصرمين من احتجاجات وثورات شعبية اطلق عليها – الربيع العربي – التي اكدت الطاقات الحيوية للشعوب ورفضها استمرار العيش تحت هيمنة الاستبداد والظلم والتدخل الاجنبي، ورغم التعقيدات والمشكلات التي رافقت هذه التغيرات والتحولات في الشرق الاوسط، الا انها قدمت صورة عن دور الفئات الشعبية الكادحة والعمالية وخاصة الشباب في المساهمة في عملية التغيير.
ونرى في الحزب الشيوعي الكوردستاني، ان عملية التغيير لم تنتهي بعد، فقط سقطت انظمة استبدادية في بعض البلدان، غير ان شعوب هذه البلدان لا تقبل ان تستبدل استبداد العسكر باستبداد من نوع ديني او طائفي من نوع اخر، وامام شعوبنا في المنطقة معارك مقبلة من اجل قيم الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان، مما يتطلب بوجهه نظرنا توسيع تحالف القوى اليسارية من خلال التحالفات للفوى الاجتماعية المناضلة من اجل الديمقراطية والدولة المدنية.
هذه القضايا الهامة وغيرها المتعلقة بدور الاحزاب الشيوعية وقوى اليسار ونضالها من اجل التغيير الديمقراطي احتلت موقعا مهماً في اعمال المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي الكوردستاني الذي انعقد صيف هذا العام خلال الفترة 11-14 تموز 2012، تحت شعار ( الديمقراطية، العدالة الاجتماعية، حق تقرير المصير).
وااضافة الى الشأنين الكوردستاني والعراقي اللذين تناولها المؤتمر وشخص فيه التحديات الماثلة امام تجربة اقليم كوردستان وسبل الارتقاء بوضعه واوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وكذلك الوضع العراقي ووسائل معالجة عوائق التحول الديمقراطي في ظل بناء العراق الجديد كدولة فيدرالية ديمقرطية، اضافة لكل ذلك بحث المؤتمر الاوضاع العالمية وحدد جملة من التشخيصات والمهام على هذا الصعيد واهمها:-
- هيمنة القطب الواحد وتلازم مصالح الانظمة الاستبدادية مع سياسات الدول الكبرى، والدور الجوهري للشعوب في نبذ نهج الاستبداد محليا وسياسة الهيمنة الامبريالية عالميا.
- وفي ظل هذه الظروف يعيش اليسار ازمة بنيوية منذ انهيار المعسكر الاشتراكي في تسعينيات القرن العشرين مما يتطلب البحث الدؤوب عن طريق ووسائل المعالجة للارتقاء بدور قوى اليسار وخاصة الاحزاب الشيوعية لانها القادرة على تقديم الحلول لمشكلات البشرية على الصعيدين المحلي والعالمي.
وضمن هذا التوجه سعى ويسعى الحزب الشيوعي الكوردستاني بالتعاون مع الحزب الشيوعي العراقي والقوى الوطنية والديمقراطية الكوردستانية لانجاز مهماته الوطنية والقومية وتحقيق وابراز دوره الاممي.
يؤكد حشك في برنامجه على تحقيق التنمية المستدامة من خلال ضمان مستلزمات الحكم الرشيد وبناء وتفعيل المواطنة على صعيد كوردستان وعموم العراق.
الرفاق الاعزاء:
تابع حزبنا باهتمام لقاءات الاحزاب الشيوعية والعمالية سواء على الصعيد العالمي او البلدان العربية وقيم نتائجها بايجابية، واخرها اللقاء الثالث عشر للاحزاب الشيوعية الذي انعقد في ديسمبر 2011، في اليونان بدعوة من الحزب الشيوعي اليوناني.. ونرى ان هذه اللقاءات ضرورية ليس فقط لتبادل الرأي والخبرة بل وايضا من اجل التعاون والتنسيق والنشاط وتعزيز نضالاتنا المشتركة وتقوية الجبهة المعادية للامبريالية في العالم، ومن هذا المنطلق يسعى حزبنا للمشاركة الفاعلة في هذه اللقاءات الاممية ونعمل جاهدين لتوحيد صفوف اليسار والديمقراطية وننطلق من واقعنا في كوردستان والعمل على وحدة القوى الوطنية وقوى الديمقراطية وكذلك نناضل على الصعيد العراقي من اجل الارتقاء بدور التيار الديمقراطي كما نعمل صوب المجال الارحب في المنطقة العربية واجزاء كوردستان الاربعة والشرق الاوسط والعالم على طريق تعزيز النضال الوطني والديمقراطي لليسار في العالم العربي والشرق الاوسط كجزء من نضال شعوب العالم من اجل التحرر الوطني والديمقراطية والتقدم الاجتماعي.
ونحن مع تطور اللقاءات والبحث عن وسائل اكثر فاعلية لجميع القوى المعادية للامبريالية بما في ذلك القوى التي نختلف معها فكرياً.
وينطلق الحزب الشيوعي الكوردستاني في مواقفه من توجهاته الفكرية من كون الماركسية هي الوسيلة الفاعلة ليس فقط لنقد الرأسمالية وانما ايضا تقديم وصياغة البديل المناسب لها وهو الاشتراكية. ان فكر ماركس هو فكرناقد للواقع، والماركسية فكر ناقد باتجاه العمل لتغيير الواقع.
نعم ان الماركسية اليوم كفكر وكاحزاب وقوى سياسية قادرة على بلورة اطار عمل ومنهجية وبرامج بديلة وابتداع اساليب فاعلة لتحقيقها عبر التوازن الدقيق بين الاوضاع في كل بلد و على الصعيد العالمي.
الرفاق الاعزاء:
ان الاوضاع العالمية التي نوجهها بصورة مشتركة والاوضاع المحلية في كل بلد، تتطلبان ضرورة البحث العميق في جملة من القضايا الهامة استكملا لما تم بحثه والتوصل اليه من اللقاءات السابقة، ويتطلب ذلك من بين امور عدة مراجعة نقدية جرئية ومواكبة روح العصرليس عبر التقليد وانما الابداع والتوقف عند ما تحقق وعند مالم يتحقق والبحث في اسباب ودورس ذلك، فعلينا الاقرار اننا لانزال، رغم كل ما حققناه، نواجه تحديات جسيمة واسئلة واقعية منها: اين نحن مما يجري؟ ما هو دورنا وتأثيرنا.... الى اين تتجه قوى اليسار... ما هو حجم تأثيرنا الجماهيري... ماذا نريد وكيف نحقق مانريد؟.. اسئلة واسئلة جديرة بالتأمل والتفكير العميقين.
لابد من الاشارة الى اننا نفتقد الى مفهوم دقيق لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين ونفتقد للاساليب الفاعلة والمؤثرة على الجماهير لاشراكها في معركة الديمقراطية مثلما نواجه ضعفا في العمل النقابي والتضامن الاممي والدفاع عن حقوق الانسان والمرأة، وتحديد الموقف الصائب ازاء العديد من القضايا الاخرى.. كل هذا لايعني فقدان البوصلة كما لا يعني التعامل مع تلك الامور بالرفض او القبول بل بالتحليل العميق وصياغة سياسات واضحة في ظل المعركة الفكرية والاجتماعية الراهنة، فلابد للطبقات الاجتماعية الشعبية وقواها السياسية ان تكون لها استراتيجية واضحة مشتركة وفاعلة مثلما نجد اليوم ان رأس المال يمتلك استراتيجية عالمية تستند على العولمة الرأسمالية، وهذا يتطلب عدم تجاهل العديد من القضايا من بينها الترابط الواضح ما بين الدولة والسوق.
وان الدولة هي ليست فقط لليسار وان السوق ليس فقط لليمين، بل ان الانسان هو الاساس في حين اكد اليسار كثيرا على الدولة كجهاز واهمل الى حد كبير الحاجات والمتطلبات الفردية للناس.
وفي هذا السياق نحن بحاجة الى مراجعات نقدية موضوعية لاطروحة قوى اليسار بشكل عام لاجل ملائمتها مع الظواهر الجديدة التي برزت منذ نهاية القرن العشرين، تلك الظواهر التي لم تكن اصلا موجودة في زمن كبار مفكري اليسار ولم يكن ممكنا انذاك التنبوء بها، وفي نفس الوقت فان اليسار بحاجة الى ملاحظة ان الحركة العمالية التقليدية بدأت بالفعل تفقد قاعدتها الاجتماعية، وان هناك حركات اجتماعية واحتجاجية جديدة بدأت تأخذ مكانها ومكانتها لذا اصبح واجبا على الاحزاب الشيوعية وقوى اليسار ان تنتبه اليها وتتعاون معها والتأثير عليها باتجاه الفكر التقدمي وان على اليسار في خضم هذه المعركة الفكرية والاجتماعية ان يجعل هذا الزمن بمثابة ساعة اليسار او زمن اليسار المتجدد.
هنا تكمن اهمية متابعة حركة المواجهة ضد الاحتكارات وعولمة رأس المال عبر تمتين العلاقة ما بين تعدد اشكال المقاومة العملية للامبريالية والنضال الفكري والسياسي باتجاه صياغة رؤية واضحة للبديل عن الرأسمالية وهو الاشتراكية وكخيار لمستقبل البشرية.
ان تجرية الحركة الثورية المعادية لعولمة رأس المال على اهميتها واتساعها مطلوب منها ان تطور نجاحاتها الكمية وتحولها الى تغيير نوعي عبر برنامج واضح يتطلب فيها تنظيم ادوات التغيير وقواه على صعيد كل بلد، اي تحديد العامل الاجتماعي للتغيير وربط المشروع الفكري – السياسي بالممارسة العملية – وصولا الى المستوى العالمي باتجاه توحيد قوى اليسار والديمقراطية، وان النضال الوطني والديمقراطي والاجتماعي لقوى اليسار في الشرق الاوسط والعالم العربي هو جزء مهم من نضال شعوب العالم من اجل الديمقراطية والتقدم الاجتماعي وبمواجهة كل اشكال الظلم والهيمنة والارهاب.
ولهذا كله تقع على عاتقنا جملة من المهام النضالية للارتقاء بدورنا من بينها:
- العمل على تحقيق التنمية في بلداننا وتطوير نضالاتنا والدفاع عن حقوق العمال والفئات الكادحة وعن الحقوق الديمقراطية والنقابية وحرية العمل السياسي.
- مواصلة النضال ضد نهج الامبريالية العدواني وحروبها وكوراثها المدمرة نهبها لخيرات الشعوب وفضح ستراتيجيتها في العسكرة والتسلح وتدمير البيئة والموارد الطبيعة.
- العمل على انهاء الحروب والنزاعات وادانة الارهاب بكل صوره ومعالجة اسبابه بما يؤمن تحقيق السلم والامن الدوليين.
- النضال من اجل اقامة نظام اقتصادي عالمي يقوم على التكافؤ والتوازن.
- الدفاع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها.
- التضامن الاممي الفعال مع الشعوب والحركات التي تواجه القمع من الانظمة الاستبدادية ودعم نضالات شعوب الشرق الاوسط وافريقيا وامريكا اللاتينية ومساندة كل اشكال التحالفات الشعبية الرافضة للاستبداد الداخلي والاحتلال الخارجي.
هذه المطالب بحاجة الى آليات عمل لتحقيقها ولذلك نقترح:-
1- مواصلة تنظيم اللقاءات على المستويات العالمية والمناطقية والاقليمية خاصة في المناطق والبلدان التي تواجه تحديات مشتركة، وصياغة برامج عمل ومتابعة ما يتخذ من قرارات واجراءات بغية تنفيذها.
2- توسيع عمل ونشاط القوى الاجتماعية المناهضة للامبريالية وعدوانيتها داخل وخارج نطاق الاحزاب الشيوعية ومنها منظمات المجتمع المدني والاتحادات العالمية والمنتدى الاجتماعي العالمي وايجاد آليات عمل ملموسة للتعاون والتنسيق.
3- ايلاء الاهتمام للبحوث والدراسات وتبادل الخبرات والتجارب وتبادل الاراء والتفكير باصدار منشورات او مجلات عالمية او اقليمية والاستفادة من مواقع التواصل الالكترونية.
4- ابراز الدور الاعلامي للاحزاب الشيوعية وتحديد مواعيد ومناسبات للتضامن الاممي مثل يوم 29/تشرين الثاني/ اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني ونقترح هنا تحديد يوم للتضامن مع الشعب الكوردي.
وبهذا الصدد يتهيأ الحزب الشيوعي الكوردستاني لاطلاق فضائية ونعرب عن استعدادنا لتكون اداة اعلامية اضافة لدورها المحلي في اقليم كوردستان، ان تلعب دورها في نشر الفكر الماركسي ومواقف ونشاطات الاحزاب الشيوعية وقوى اليسارية.
نحن لا نبدأ عملنا من الصفر فلدينا تراث نضالي عريق وتضحيات جسام في كل انحاء العالم وتراكمت لدى الاحزاب الشيوعية تجربة غنية في معركة الحرية والنضالات الوطنية والقومية والاممية وتوفر لدينا رصيد لا غنى عنه على طريق تطوير النضال الوطني والطبقي والاممي في الظروف الراهنة، كل ذلك يشكل اسس راسخة لمحاور العمل المشترك والمبادرات واشكال التضامن.. تمنياتنا للقاء العالمي للاحزاب الشيوعية والعمالية بالنجاح وان يكون دافعاً لمزيد من الانتصارات لقضايا شعوبنا العادلة التواقة للحرية والديمقراطية والتقدم الاجتماعي.